كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِّنَ السَّاجِدِينَ}
وقال: {ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ} لأنَّ ثُمَّ في معنى الواو ويجوز ان يكون معناه {لآدَم} كما تقول للقوم: {قَدْ ضَرَبْناكُم} وإنما ضربت سيدهم.
{قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ}
وقال: {مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ} ومعناه: ما منعك أَنْ تسجد، و{لا} هاهنا زائدة. وقال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد الرابع بعد المائتين]:
أَبى جُودُهُ لا البُخْل واستعجلتْ بِهِ ** نَعَمْ مِنْ فَتىً لا يَمْنَع الجوعِ قاتلَه

وفسرته العرب: %أَبى* جودُه البخلَ وجعلوا {لا} زائدة حشوا هاهنا وصلوا بها الكلام. وزعم يونس ان أَبا عمرو كان يجرّ البخل ولا يجعل لا مضافة اليه أراد: أبى جوده {لا} التي هي للبخل لأن {لا} قد تكون للجود والبخل. لأنه لو قال له: إِمْنَعْ الحقَّ او لا تُعْطِ المساكينَ فقال لا كان هذا جودا منه.
{قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ}
وقال: {لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} أي: على صراطك. وكما تقول: تَوَجَّهَ مَكَّةَ أي: إِلى مكة. وقال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد الخامس بعد المائتين]:
كَأَنِّيَ إِذْ أَسْعَى لأَظْفَرَ طائرًا ** معَ النَّجْم في جَوِّ السَّماءِ يَصُوبُ

ممميريد: لأَظْفَرَ بطائرٍ. فالقى الباء ومثله {أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ} يريد: عن امر ربكم.
{قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَّدْحُورًا لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ}
وقال: {اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَّدْحُورًا} لأنه من الذَأمِ تقول: ذَأَمْتُه فـهُوَ مَذْؤُومٌ والوجه الآخَر من الذَمِّ: ذَمَمْتُه فـهو مَذْمُومٌ تقول: ذَأَمْتُهُ وذَمَمْتُه وذِمْتُه كله في معنى واحد ومصدر: ذِمْتُهُ الذَّيْم.
وقال: {وَلَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ} فاللام الأولى للابتداء والثانية للقسم.
{فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَاذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ}
وقال: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ} والمعنى: فوسوس إليهما الشيطان. ولكن العرب توصل بهذه الحروف كلها الفعل، ومنهم من تقول: غَرِضْتُ في معنى: اشتقت اليه. وتفسيرها: غَرِضْتُ مِنْ هؤلاءِ إِلَيْهِ.
وقال: {إِلاَّ أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ} يقول: {ما نَهاكُما إلاّ} كَراهَة {أَن تَكُونَا} كما تقول: إِيَاكَ أَنْ تَفْعَلَ أي: كَراهَة أَنْ تَفْعَلَ.
{فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌ مُّبِينٌ}
وقال: {وَطَفِقَا} وقال بعضُهم {وَطَفقَا} فمن قال: طَفَقَ قال: يَطْفِقُ ومن قال طَفِقَ قال يَطْفَقُ.
وقال: {يَخْصِفَانِ} جعلها من يَخْتَصِفانِ فادغم التاء في الصاد فسكنت وبقيت الخاء ساكنة فحركت الخاء بالكسر لاجتماع السكانين. ومنهم من يفتح الخاء ويحول عليها حركة التاء وهو كقوله: {أَمَّن لاَّ يَهِدِّي} وقال بعضهم {يَهِدِّي الا ان يُهْدَى}.
{قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}
وقال: {وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} فكأنه على القسم والله أعلم كأنه قال: وَاللهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الخاسِرِينَ إِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا.
{يَابَنِي ءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذلك خَيْرٌ ذلك مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ}
وقال: {قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذلك خَيْرٌ} فرفع قوله: {وَلِبَاسُ التَّقْوى} على الابتداء وجعل خبره في قوله: {ذلك خَيْرٌ} وقد نصب بعضهم {وَلِباسَ التّقْوى} وقرأ بعضهم {وَرِيشًا} وبها نقرأ وكلُّ حَسَنٌ ومعناه واحد.
{فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلاَلَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ}
وقال: {وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلاَلَةُ} فذكّر الفعل لما فصل كما قال: {لاَ يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ}.
{يَابَنِي ءَادَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}
وقال: {يَابَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} كان كأَنَّهُ قالَ فَأَطِيعُوهُم.
{إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذلك نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ}
وقال: {حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} منوَلَجَ يَلِجُ وُلُوجًا.
{لَهُمْ مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذلك نَجْزِي الظَّالِمِينَ}
وقال: {لَهُمْ مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ} فانما انكسر قوله: {غَواشٍ} لأن هذه الشين في موضع عين فواعِل فهي مكسورة. وأما موضع اللام منه فالياء، والياء والواو اذا كانت بعد كسرة وهما في موضع تحرك برفع أو جرّ صارتا ياء ساكنة في الرفع وانجرّ ونصبا في النصب. فلما صارتا ياء ساكنة وأدخلت عليها التنوين وهوساكن ذهبت الياء لاجتماع الساكنين.
{وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهذاوَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}
وقال: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ} وهو ما يكون في الصدور، وأما الذي يُغَلُّ به الموثق فهو الغُلُّ.
وقال: {الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَاذَا} كما قال: {اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ} وتقول العرب: هوَ لا يَهتَدِي لهذا أي: لا يعرفه. وتقول: هَدَيْتُ العروسَ إِلى بَعْلِها. وتقول أيضًا: أَهْدَيْتُها إلَيْه وهُدِيَتْ لَهُ وتقول: أَهْدَيْتُ لَهُ هَدِيَّةً. وبنو تميم يقولون هَدَيْت العروسَ إِلى زَوْجِها جعلوه في معنى دَلَلْتُها وقيس تقول: أَهْدَيْتُها جعلوها بمنزلة الهدية.
وقال: {وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ} و{أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} وقال في موضع آخر {أَنِ الْحَمْدُ للَّهِ} و{أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا} فهذه {أَنّ} الثقيلة خُفِّفَتْ وأُضْمِرَ فيها ولا يستقيم أن تجعلها الخفيفة لأن بعدها اسما. والخفيفة لا يليها الأسماء. وقال الشاعر: [من البسيط وهو الشاهد السادس بعد المائتين]:
فِيَ فِتْيَةٍ كَسُيوفِ الهِنْدِ قَدْ عَلِمُوا ** أنْ هالِكٌ كُلُّ مَنْ يَخْفى وَينْتَعِل

وقال الشاعر: [من الوافر وهو الشاهد السابع بعد المائتين]:
أُكاشِرُهُ وَاَعْلَمُ أَنْ كِلانا ** عَلَى ما سَاءَ صاحِبَهُ حَريصُ

فمعناه: أَنْهُ كِلانا. وتكون {أَن قَدْ وَجَدْنَا} في معنى: أي.
{وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ}
وقوله: {أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ} تكون أيْ أَفِيضوا وتكون على أنْ التي تعمل في الأفعال لأنك تقول: غَاظَني أَنْ قامَ وغَاظَنِي أَنْ ذَهَب فتقع على الأفعال وان كانت لا تعمل فيها وفي كتاب الله: {وَانطَلَقَ الْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُواْ} معناها: أي امْشُوا.
{هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُواْ أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ}
وقال: {فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} فنصب ما بعد الفاء لأنه جواب استفهام.
{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي الْلَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}
وقال: {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ} عطف على قوله: {خَلَقَ السَمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} وخلق {الشَمْسَ والقَمَرَ}.
{وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ}
وقال: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} فذكّر {قَرِيب} وهي صفة الرحمة وذلك كقول العرب رِيحٌ خَريقٌ ومِلْحَفَةٌ جَديدٌ وشاةٌ سَدِيسٌ. وان شئت قلت: تفسير الرحمة ها هنا: المطر، ونحوه. فلذلك ذكر. كما قال: {وَإِن كَانَ طَائِفَةٌ مِّنكُمْ آمَنُواْ} فذكر لأنه أراد الناس. وان شئت جعلته كبعض ما يذكرون من المؤنث كقول الشاعر: [من المتقارب وهو الشاهد الحادي والثلاثون]:
فَلا مِزْنَةٌ وَدَقَتْ وَدْقَها ** وَلا أَرْضُ أَبْقَلَ إِبْقَالها

{وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذلك نُخْرِجُ الْموْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
وقال: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} لأنَّها جماعة النَشُور وتقول: رِيحٌ نَشُور ورياحٌ نُشُر. وقال بعضهم نَشْرا من نَشَرها نَشْرًا.
وقال في أول هذه السورة {كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ} [2] {لِتُنذِرَ بِهِ} [2] {فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ} [2] هكذا تأويلها على التقديم والتأخير. وفي كتاب الله مثل ذلك كثير قال: {اذْهَب بِّكِتَابِي هذافَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ} والمعنى- والله أعلم- {فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ} {ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ} وفي كتاب الله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ} والمعنى- والله أعلم- {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ} {بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ} {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ} {إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ} وفي حم المؤمن {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ مِّنَ الْعِلْمِ} والمعنى- والله أعلم- {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ} {مِّنَ الْعِلْمِ} {فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ}. وقال بعضهم {فَرِحُوا بِما} هو {عِنْدَهُم مِنَ الِعلْم} أي: كان عندهم العلم وهو جهل ومثل هذا في كلام العرب وفي الشعر كثير في التقديم والتأخير. يكتب الرجل: أَمّا بَعْدُ حَفِظَكَ اللهُ وَعافاكَ فإِنّي كَتَبْتُ إِلَيْكَ فقوله فَإِنِّي محمول على أَمَّا بَعْدُ وانما هو أَمَّا بَعْدُ فإِنّي وبينهما كما ترى كلام. قال الشاعر من الكامل وهو الشاهد الثامن بعد المائتين:
خَيْرٌ مِنَ القَوْمِ العُصاةِ أَمِيرَهُم ** يا قومُ فاستَحْيُوا النِسَاءُ الجُلَّسُ

والمعنى: خيرٌ مِنَ القَوْمِ العصاةِ أميرَهُم النِّساءُ الجُلَّسُ يا قومُ فاسْتَحْيُوا. قال الآخر: من البسيط وهو الشاهد التاسع بعد المائتين:
الشَّمْشُ طالِعَةٌ لَيْسَتْ بِكاسِفَةٍ ** تَبْكِي عليكَ نُجُومَ اللَّيْلِ والقَمَرا

ومعناه: الشمسُ طالعةٌ لَمْ تكسِفْ نُجُومَ الليلِ والقمرَا لِحُزْنِها على عُمَر. وذلك أن الشمس كلما طلعت كسفت القمر والنجوم فلم تترك لها ضوءا.
ومن معاني القرآن قول الله عزّ وجل: {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِّنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} فليس المعنى: إِنْكِحوا ما قَدْ سَلَف. وهذا لا يجوز في الكلام والمعنى- والله أعلم- لا تَنْكِحُوا ما نكحَ آباؤُكُم من النساء فإِنَّكُمْ تُعَذَّبُون بِهِ إِلاّ ما قد سلف فقد وضعه الله عنكم وكذلك قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} ثم قال: {وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الاخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} والمعنى- والله أعلم- أَنَّكُمْ تؤخذون بذلك إِلاّ ما قد سلف فقد وضعه الله عنكم.
قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ} ثم قال: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ} فـالكاف تزاد في الكلام. والمعنى: أَلَم تَرَ إِلَى الذي حاجَّ ابراهيمَ في رَبِّهِ أَوْ الذي مَرَّ على قَرْيَةٍ. ومثلها في القرآن {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} والمعنى: ليس مثله شيء. لأَنه ليس لله مثل. وقال الشاعر: من الرجز وهو الشاهد العاشر بعد المائتين:
فَصُيِّرُوا مثلَ كَعَصْفٍ مَأْكُول

والمعنى: صُيِّرُوا مثلَ عَصْفٍ، والكاف زائدة. وقال الآخر: الرجز وهو الشاهد الحادي عشر بعد المائتين:
وَصَالِباتٍ كَكَما يُؤَثْفِين

إحدى الكافين زائدة.